من نساء العرب

   كانت النسوة في الزمن الجاهليّ والإسلاميّ يعادلن رجالهنّ في الفصاحة والمروءة والشجاعة والكرم، ولهنّ من الحرّية ما ليس لغيرهنّ من بنات جنسهنّ، فلم يكنّ لا أسيرات ولا مستعبدات لبعولهنّ، بل كنّ أكثر حرّيّة وأشدّ انفتاحًا من نساء أوروبا في العصور الوسيطة والمتقدّمة، بعكس ما أورده عنهنّ بعض المؤلّفين في بلاد الغرب، إمّا جهلًا وإمّا تصغيرًا لشأنهنّ وشأن رجالهنّ المتّهمين لديهم بالتخلّف، وقد اشتهرت منهنّ الكثيرات في وقت كانت بلاد الغرب لا تزال في دياجي الظلام والجهل والهمجيّة، منهنّ على سبيل المثال لا الحصر:

"زنوبيا" أميرة  تدمر وملكتها وقد حاربت أباطرة الرومان الأقوياء، واستسلمت لهم بعد معارك مشرّفة بإباءٍ وشجاعة.

"الخنساء" بنت عمرو السلمية  شهدت حرب "القادسيّة"، بين العرب والفرس، ومعها بنوها الأربعة الذين كانت تحثّهم وتحمّسهم في ساحة العراك، فاستبسلوا وقاتلوا قتال الأبطال حتّى استشهدوا جميعًا، وعدّت هذا الاستشهاد فخرًا وشرفًا لها، لأنّه أدّى إلى انتصار العرب، قومها، على الفرس.

    اسم "الخنساء" لقبٌ لها ويعني البقرة الوحشيّة الجميلة العينين، وكانت أم البنين الأربعة، حرّة الشمائل، حرّة في التصرّف؛ إذ رفضت، وهي عزباء بعد، الزواج من "دريد بن الصمّة"، وهو سيّد في قومه، وردّته خائبًا ولم يجده وساطة أبيها؛ اشتهرت في الشعر الرثائيّ العاطفيّ، خاصّة في رثاء أخيها "صخر". وقد عدّت من فحول شعراء الجاهليّة، وحضرت سوق "عكاظ " كسائر شعراء الجاهليّة، وأنشدت "النابغة" قصيدتها الرائية المميّزة، وأدركت الإسلام وحظيت بمخاطبة "عمر بن الخطاب" و "عائشة" زوج النبي، وأسلمت.

"خديجة" و "حفصة بنت عمر" و"عائشة بنت أبي بكر" أزواج النبي "محمد بن عبد الله" (صلعم) الأولى اشتهرت بحرّيّة الرأي والشجاعة الأدبيّة وحريّة العمل، وفاقت الرجال في علوّ منزلتها. والثانية والثالثة كانتا صاحبتي منزلة أيضًا، تعرفان القراءة، بينما زوجهما الرسول ذو الخلق العظيم، كان أمّيًا.

"عمرة بنت علقمة الحارثيّة" رفعت لواء قريش في ساحة القتال بعد وقوعه في يوم أُحُد.

"عكرشة بنت الأطرش" و "الزرقاء بنت عديّ بن قيس الهمدانيّة" امرأتان عربيّتان مخضرمتان حرّتان اشتهرتا بخطابيهما في يوم "صِفّين" الشهير.

"أمّ الخير البارقيّة" و "إمامة بنت الحراث التغلبيّة" الاثنتان من نساء العرب الفضليات، الأولى اشتهرت بانتصارها لعليّ بن أبي طالب يوم " صفّين " والثانية امتازت بحكَمها الدالّة على رجاحة في العقل.

"نقيّة بنت أبي الفرج" و "زينب بنت أبي القاسم" الأولى شاعرة أديبة حرّة، تؤكّد حرّيتها تلقّيها العلم والآداب عن "الجاحظ" في "الإسكندريّة" في "مصر". والثانية تضارعها في حرّيّتها، إذ إنّها اقتبست العلوم من "الزمخشري" صاحب الكشّافي وأجازها1 فيها، وهي التي أجازت "بن خلّكان" صاحب "وفيّات الأعيان"... واختلاطهما برجال العلم والأدب دليل على تطوّر المرأة العربيّة وتحرّرها، النسبيّ طبعًا، من ربقة التقاليد السلفيّة.

   وهناك "بنت النّعمان بن المنذر"، و "عائشة بنت طَلْحَة2"، و "أسماء العامريّة الإشبيليّة" وسواهنّ من النساء اللّواتي يضيق المجال عن ذكرهنّ؛ يكفي أن نتذكّر منهنّ قديمًا وحديثًا، الست "شعوانة" أو كما قيل أيضًا الست "شهوانة" وهي من النساء الأوانس، اشتهرت بنُسْكِها وتقنُّعها بلباس غلام، طوال حياتها، وقاست اضطهاد حكّام زمانها وظلمهم وصبرت ولم تُكْتشف حقيقة أمرها إلّا بعد أن وافتها المنيّة؛ ولها مقام قرب "قب الياس" في المنحدر الشرقيّ لجبل "الباروك" و "عين داره" يتبرّك به الزوّار من بني معروف وسائر طوائف "لبنان".

   "وست الملك الفاطميّة" في "مصر"، والست "حبوس الأرسلانيّة" التي لعبت دورًا سياسيًّا في أيّام الأمير "بشير الشهابّي" والشيخ "بشير جنبلاط" وحكّام "عكا" الذين كانت بأيديهم شؤون "جبل لبنان" في العهد العثمانيّ.

   والسيّدة "نظيرة جنبلاط" التي اشتهرت في "المختارة" بعهد الانتداب الفرنسيّ، وساعدت كثيرًا على حلّ المشاكل التي كانت تحصل ما بين الثائرين المعروفيّين الدروز، بجبل الدروز اللبنانيّ، وحكّام "الشوف" الفرنسيّين، في خلال الثورة السوريّة في عام 1924- 1925 وما قبلها وما بعدها.  

 

1- أجاز العالم تلميذه: أذن له في الرواية عنه.

2- عائشة بنت طلحة تغزَّل بجمالها " عمر بن أبي ربيعة " وقال فيها أحسن قصيدة – كانت سافرةً لا تستر وجهها عن أحد كالسافرات الراقيات في عصرنا.